ترجمة عبرية - شبكة قُدس: منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة، ازدادت حدة الموقف الصيني المعادي لـ”إسرائيل”. فقد كررت بكين دعمها لحق العودة الفلسطيني، وأحبطت مشروع قرار في مجلس الأمن يهدف إلى إدانة حركة حماس، كما تعمل بنشاط في الأمم المتحدة ضد “إسرائيل”. وسبق أن وصف وزير الخارجية الصيني في 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، بعد شهر ونصف من عملية “طوفان الأقصى”، أنشطة جيش الاحتلال بأنها “عقاب جماعي” و”اقتلاع بالقوة”، وأعلن دعمه لعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة.
وبحسب ما أوردته يديعوت أحرونوت، فإن صحيفة نيويورك تايمز كشفت عن تنسيق صيني–روسي–إيراني في حملات دعاية مؤيدة لحماس، تتضمن محتوى معادياً للاحتلال وللولايات المتحدة على شبكات التواصل. وفي الميدان الاقتصادي، تأثرت العلاقات الثنائية بشكل مباشر؛ إذ تراجع حجم الصادرات “الإسرائيلية” إلى الصين بنسبة 28% في النصف الأول من عام 2025، بعد أن اتهمت بكين الاحتلال بفرض “حصار” على الفلسطينيين.
وترى الصحيفة أن الموقف الصيني يرتبط بتحالفاتها مع إيران. ففي عام 2021 وقعت بكين وطهران اتفاقية شراكة عسكرية–اقتصادية، وفي عام 2023 استحوذت الصين على 91% من صادرات النفط الإيراني بما قيمته 9.1 مليار دولار. كما شاركت عام 2025 في مناورات بحرية مشتركة مع روسيا وإيران. وخلال التوغل البري في غزة، ضبط جيش الاحتلال كميات من الأسلحة ذات المنشأ الصيني، ما أثار مخاوف في “إسرائيل” من أن تكون بكين تساعد طهران في إعادة بناء برنامجها الصاروخي وتزويدها بأنظمة دفاع جوي بعد أن دمرت مقاتلات الاحتلال بطاريات سابقة.
التحفظات امتدت إلى قطاع التكنولوجيا أيضًا. ففي فبراير/شباط 2024 فتحت الولايات المتحدة تحقيقًا حول المخاطر الأمنية لمركبات صينية يمكن أن تجمع معلومات حساسة. وفي “إسرائيل”، ألغى الجيش صفقات لشراء مركبات صينية، ثم حظر دخولها القواعد العسكرية عام 2025 خشية التجسس عبر الحساسات والكاميرات. ورغم هذه الإجراءات، لا تزال كاميرات تابعة لشركة صينية مدرجة على القائمة السوداء الأمريكية مستخدمة في منظومة “عين الصقر” التابعة للشرطة.
وعلى الصعيد الأكاديمي، أنشأت الصين “معاهد كونفوشيوس” في جامعات حول العالم لتعليم لغتها وثقافتها، بينها الجامعات العبرية وتل أبيب. لكن هذه المعاهد تُتهم بأنها أدوات نفوذ للحزب الشيوعي الصيني، ما دفع جامعة حيفا إلى رفض استضافتها رغم الإغراءات المالية. وفي خطوة أخرى، أبرم “التخنيون” اتفاقًا مع الملياردير الصيني لي كا-شينغ لتأسيس فرع له في الصين مقابل تبرع قدره 130 مليون دولار، وهو ما منح بكين شراكة في الملكية الفكرية.
أما في مجال الأمن السيبراني، فإن الصين متهمة بعمليات اختراق وهجمات متواصلة عبر إدخال “أبواب خلفية” في منتجات شركات مثل هواوي وزد تي إي. ويشير خبراء إسرائيليون، إلى أن بكين تستغل هذه الأدوات لأغراض تجسس عسكرية وسياسية واقتصادية. ومنصّة تيك توك، المملوكة لشركة صينية، تحولت –وفق نفس المصدر– إلى ساحة مكتظة بمحتوى معادٍ لـ”إسرائيل”، بحيث يقابل كل مقطع مؤيد لها نحو 50 مقطعًا داعمًا لحماس.
التوتر بلغ حد التهديد الدبلوماسي المباشر، إذ وجهت السفارة الصينية في تل أبيب تهديدًا إلى عضو الكنيست بوعز طوبوروفسكي بعد زيارته إلى تايوان، محذرة إياه بأنه “سينهار إلى شظايا” إذا واصل تحدي مبدأ “الصين الواحدة”. كما توجه السفارة خطابات احتجاج غاضبة إلى وسائل الإعلام “الإسرائيلية” إذا أشاروا إلى ممثلة تايوان بصفة “سفيرة”، رغم المساعدات التي قدمتها تايبيه لـ”إسرائيل” منذ أكتوبر 2023.
وتخلص يديعوت أحرونوت إلى أن دوافع الصين ضد “إسرائيل” جيوسياسية بالدرجة الأولى، ضمن صراعها مع الولايات المتحدة. فهي تسعى لإضعاف النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وكسب تأييد العالم الإسلامي عبر خطاب مؤيد للفلسطينيين، مع ضمان وصولها إلى الطاقة الخليجية والتكنولوجيا الإسرائيلية. استراتيجياً، تنظر بكين إلى “إسرائيل” كبوابة إلى المتوسط وجسر بري بديل لقناة السويس. ولهذا استثمرت في مشروعات بنى تحتية حيوية مثل ميناء حيفا (25 عامًا)، ميناء أسدود، مشاريع سكك الحديد والقطارات الخفيفة. لكن هذه الاستثمارات تُوصف داخل “إسرائيل” بأنها تهديد استراتيجي.
خبراء لدى الاحتلال نقلت عنهم الصحيفة، شددوا على ضرورة وقف الاستثمارات الصينية في البنى التحتية وتشديد الرقابة وتعزيز التعاون مع واشنطن، وحذروا من أن الصين تريد نفوذًا، لكن ذلك يأتي على حساب أمن "إسرائيل".